الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

سيرة بيروت الثقافية.. من جبران إلى فيروز

سيرة بيروت الثقافية.. من جبران إلى فيروز

ضمر دورها مع مغادرة الكتاب العرب ورحيل الأقلام اللبنانية إلى باريس ولندن

الكتاب: بيروت والحداثة المؤلف: كمال أبو ديب. الناشر: دار النهار.
بيروت: سمير شمس

تاريخ الثقافة يرتكز على تغيرات اجتماعية تضج وتختمر في أماكن لا يلتقطها وارتداداتها إلا الراسخون في العلم. لأن رصد الظاهرات وتوقع المتغيرات يحتاج إلى موهبة تفكيك الحراك الاجتماعي مقدمة لأزمة وعميقة لتوقع التطورات والمختلف الثقافي.

كمال أبو ديب في كتابه الصادر عن «دار النهار» في بيروت 2010 تحت عنوان «بيروت والحداثة - الثقافة والهوية من جبران إلى فيروز»، يرصد تاريخ بيروت الثقافي وحاضرها وما آلت إليه في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، محاولا تحليل تاريخها من 1891 إلى 2010 راسما موقعها من خلال مقاربة هويتها كحاضرة عربية وأوروبية تراجع دورها مع التفسخ الطائفي والمذهبي. لذا إشكالية الكتاب هي: كيف يمكن لبيروت أن تستعيد دورها كمحور ثقافي عربي وملتقى لحضارات الشرق والغرب؟

بنى المؤلف فصول كتابه الـ12 على مقاربات ومقارنات ونماذج حدد فترتها الزمنية من أوائل العشرينات من القرن الماضي، أي ما عرف بعصر النهضة عبر نموذج جبران خليل جبران، وحتى عام 2010 آملا بولادة ثانية لبيروت عاصمة ثقافية.

في الفصل الأول قارن المؤلف بين الأديبين الألماني هيرمان هسّه، واللبناني جبران خليل جبران، مبرزا ومقدما نموذجا لعالمية الأدب اللبناني وتنوع مناهله. وكشف كيف أن أديبين، أحدهما لبناني والآخر ألماني، قد لجآ إلى الفكر الأوروبي والتراث الآسيوي في أعمالهما، وبصفة مستقلة في أوائل القرن العشرين، وأنتجا مؤلفات خالدة.

وتطرق في الفصل الثاني إلى المفكرين الفلسطينيين، هشام شرابي وإدوارد سعيد، حول الثقافة وهموم المثقف. ويعتبر هذا الفصل المحور النظري للكتاب يعود إليه المؤلف كركيزة نظرية لما يحتويه من معالم، ويستضيء بالخلاصات التي وصل إليها في بحثه كبوصلة لما يلي من الفصول.

يتحدث المؤلف في الفصل الثالث عن الفترة الانتقالية من عصر جبران النهضوي (العشرينات وأوائل الثلاثينات) ودور زميله ميخائيل نعيمة إبان فترة التحولات وصولا إلى عصر بيروت الأدبي الذهبي الذي بدأ في الخمسينات.

في الفصلين الرابع والخامس ركز المؤلف على الأخوين رحباني وفيروز وأثر هذا الثلاثي على عقدي الخمسينات والستينات، وكيف انبثقوا من رحم فكرة لبنان الجغرافي ليسهموا في بناء لبنان الثقافي مستفيدين من الفلكلور والتراث. يتعامل المؤلف في هذين الفصلين تحديدا وفي باقي فصول الكتاب عامة مع مصطلح الثقافة على أنه ليس المقاربة الإبداعية فقط بل أيضا الحراك الإنساني. فالثقافة كعملية إبداع تعني نتاجات الأدب والشعر والرسم والمسرح والموسيقى والعمارة وغيرها من الفنون. أما الثقافة التي يتحرك في تفاصيلها المؤلف فتتراوح وتمزج بين هذه الفنون واللغة والعادات والتقاليد والتطور الاجتماعي الذي يجمع شعبا إلى قطعة من الأرض.

هكذا نراه يحلل حياة بيروت الثقافية في فترة الحرب في السبعينات في الفصل السادس والسابع متخذا حقبة الشاعر خليل حاوي وسنواته العشر الأخيرة دليلا على تراجع دور بيروت الثقافي. ويضيف في الفصل الثامن والتاسع والعاشر، صورة بانورامية لانتعاش الأدب والشعر في بيروت وكيف ضمر دورها مع مغادرة كبار الكتاب العرب لبنان كمحمود درويش ونزار قباني وأدونيس، وكيف رحلت الأقلام اللبنانية إلى باريس ولندن حيث وجدت مناخا للحرية والإبداع والأمان.

أما الفصلان الأخيران فيطرح المؤلف فيهما عودة الأمل بولادة ثانية لبيروت عاصمة ثقافية من خلال معالجته مسرح زياد الرحباني، والسينما اللبنانية.

ينطلق البحث للإجابة عن سؤال التفافي: كيف أصبحت بيروت عاصمة ثقافية؟ ولماذا كانت عاصمة ثقافية؟ وكيف وصلت إلى الطريق المسدود؟

تبدأ سيرة بيروت كعاصمة ثقافية بعدما ثبتت النهضة العربية المعاصرة أقدامها في أواخر القرن التاسع عشر، وازدهرت المدارس والجامعات والصحف والمطابع، وتنوعت مجالات الإبداع. ولعل جبران خليل جبران هو خير من مثل النهضة الثقافية العربية في الربع الأول من القرن العشرين، ذلك أنه فتح آفاقا جديدة في اللغة والتعبير تركت أثرا عميقا في كتاب العربية. ومن المفارقات الإيجابية أن جبران الذي أمضى الجزء الأكبر من حياته في أميركا، وهو بهذا المعنى ابن الثقافة الغربية، كان أيضا ابن بيئته العربية في اللغة والعادات والتقاليد، وهذا المزيج جعله يبدع رسما وأدبا لم يكن سائدا لا في الشرق ولا في الغرب.

جبران ظل ابن البيئة العربية وبقي محتفظا بروحها وبتمايز في روحانية النص جعل من كتابه «النبي» أحد أهم الكتب في القرن العشرين.

قبل 40 عاما كتب هشام شرابي، المفكر الفلسطيني المقيم في أميركا، بحثا عنوانه «المثقفون العرب والغرب»، ومن خلاصات هذا البحث أن شرابي ميز بين مثقف عربي مسلم ومثقف عربي مسيحي، وقال إن الأول أسير التحريم بينما الثاني المثقف المسيحي يمتص الثقافة الغربية ويتبناها. وتابع إدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني الآخر المقيم في أميركا، الفكرة نفسها في كتابه «صور المثقف» المنشور سنة 1994. لكن إدوارد سعيد تطور مفهومه فيقول: «إذا انتقد المثقف الأميركي العراق ونظامه في عهد صدام حسين فإن ذلك يستتبع أن تستحق الولايات المتحدة الانتقاد نفسه. ولكن المثقف الأميركي لم يفعل، لأن دوافعنا كأميركيين أكثر سموا، وصدام هو هتلر أما نحن فتحركنا دوافع نزاهتنا ومحبتنا للغير، لذا فإن حروب أميركا عادلة. وحتى عندما ترتكب إسرائيل المجازر وتشن الحروب على بلاد أخرى فإن مثقفي أميركا لا ينتقدون إسرائيل بينما يشغلون أنفسهم بانتقادات الضحايا. فالمثقف الأميركي يكتفي بالدعم الأعمى لسلوك بلاده وإما أنه لا يبالي. لكن إدوارد سعيد رمى بحجر عبر بوابة فاطمة قبل رحيله بفترة قصيرة».

في الخمسينات من القرن العشرين، وبعد فترة رمادية سادت الثلاثينات حتى أواخر الأربعينات، ولدت نهضة أدبية في بيروت استمر إبداعها حتى عام 1975، تميزت في بداياتها بالاتجاه الروحاني مع كمال جنبلاط الذي اتخذ من البراهمان وتعاليمهم وحياتهم الروحية نموذجا له، كما تابع ميخائيل نعيمة مسيرة جبران الفكرية وانغمس في الروحانية الصينية الهندية ومزجها بمسيحية مشرقية. ثم اتجهت نحو المضمون الفكري والالتزام وتركت أثرا عميقا في أدباء وشعراء المرحلة. ففي عام 1953 صدر العدد الأول من مجلة «الآداب» التي دعا فيها صاحبها سهيل إدريس إلى «الأدب الملتزم» و«الفن الملتزم»، والمقصود الالتزام بقضايا الإنسان فلا يكون «الفن للفن». فعلى الأديب أن يكون شاهدا على عصره وكاشفا لمعاني أحداثه، فعليه يقع الدور الأهم في تطوير المجتمع، وهذا العمل لا يتم بالهتاف والدعاية بل بإرهاف نواحي الأدب الفنية. كما على الأديب أن ينبذ الالتزام الحزبي والسلطوي ولا يلتزم إلا بضميره ووعيه.

بيروت الخمسينات والستينات والسبعينات ازدهرت عاصمة للثقافة العربية واستقطبت بفضل جو الحرية والمؤسسات التربوية والإعلامية خيرة الكتاب والشعراء والمثقفين العرب، وبحق كانت بيروت في هذه المرحلة واحة لأخصب مراحل الإبداع العربي في الشعر والمقالة والأدب والرواية.

يقول المؤلف إن للثقافة الشعبية علاقة وثيقة بالهوية الوطنية، وهذا يصح في لبنان أكثر من أي بلد آخر، وبخاصة مع الرحابنة وفيروز. فقد استطاع هذا الفريق بمساعدة آخرين في الفترة الممتدة من 1950 - 1970 تأسيس شخصية ثقافية مميزة للبنان.

عندما ابتدأت بيروت مسيرتها الموسيقية عام 1950 كانت القاهرة قد قطعت شوطا عمره 30 سنة في اللحن والكلمة والأسلوب، وكان من السهل أن تقلد بيروت القاهرة فتصبح تابعة وتبقى القاهرة عاصمة ثقافية موسيقية وحيدة لكل العرب. وهذا ما حصل مع كثير من الفنانين اللبنانيين والسوريين، حتى فيروز في بداياتها غنت أعمالا بأسلوب ليالي القاهرة. ولكن حصل شيئان في بيروت الخمسينات خلقا ظروفا مواتية لولادة نهضة موسيقية مختلقة عن القاهرة. الأول: تسلم الموسيقار حليم الرومي إذاعة لبنان ووظف طاقات مثقفة ومتعلمة لتدير الإذاعة. والثاني: إطلاق مهرجانات بعلبك الدولية سنة 1957، التي سمحت بخروج طاقات الرحابنة وغيرهم إلى المستوى الدولي إلى جانب عروض فنية من أوروبا ودول أخرى.

ويستنتج المؤلف أنه قبل مهرجانات بعلبك وصعود ظاهرة فيروز والأخوين رحباني الفلكلورية لم يكن تراث جبل لبنان وأذواقه وقيمه معروفة في بيروت والمناطق الأخرى. ومع ظهور أعمال فيروز والرحابنة عام 1957 وإذاعتها المتكررة على الراديو تحولت هذه الأغنيات الجبلية تدريجيا واتخذت النمط السائد الذي نعرفه اليوم بالأغنية اللبنانية.

زياد الرحباني، كان من المفترض أن يكون ابن أبيه وحامل مشعله، لكنه سرعان ما قلب الطاولة وتحول إلى مشروع منفصل يتعاطى بحساسية أكبر مع الواقع اللبناني المتفجر. وفيما عكس الأخوان رحباني في أعمالهما لبنان كمشروع وطن يحتاج إلى هوية موحدة وثقافة جامعة، فكك زياد هذا اللبنان مستعيدا في مسرحياته تنوع البلاد الديموغرافي والتعدد الطائفي، والمصائب الاجتماعية.

حمل زياد تراث الرحابنة وأدغمه في مشروعه الخاص، فطور وجدد وأبدع. فلم يكن اشتغال زياد مع فيروز ومواصلة تقديم أعمال عاصي ومنصور توقا إلى ماض ذهب مع الريح، بل كان حنينا إلى إبداع الرحابنة، وهو ما يستحق أن يستمر ويبنى عليه. هو شوق من زياد لبيروت سابقة، وصلت إلى أوج العمل الفني وهو يريد أن يقول للأجيال: «نحن مستمرون».

في يوم من أيام أبريل (نيسان) من عام 1975 ثمة من أطفأ الضوء في بيروت، لكنها كطائر الفينيق تعود من رمادها وتعلن عاصمة ثقافية للعالم.

الجمعة، 16 يوليو 2010

مقال د. مسعود ضاهر صحيفة جريدة الخليج، دبي

مقال د. مسعود ضاهر صحيفة
الإسم: أمراء الحرب وتجار الهيكل شاهد كل تعليقاتي - 19/04/2007
بريد الإلكتروني:kamaldib@videotron.ca
جريدة الخليج، دبي آخــر تحديــــث 2007-03-18 أمراء الحرب وتجار الوطن بقلم الدكتور مسعود ضاهر “أمراء الحرب وتجار الوطن” جاهزون للإفشال تحت شعارات وطنية وطائفية خادعة. وقد أوضح كمال ديب في كتابه: “أمراء الحرب وتجار الهيكل، رجال السلطة والمال في لبنان”، الصادر عن “دار النهار” في بيروت عام ،2007 دور تحالف زعماء ميليشيات السياسة والمال في إفشال جميع الاتفاقيات السابقة لحل الأزمة اللبنانية المتفاقمة. “أمير الحرب”، لقب أطلقه غسان تويني على زعماء ميليشيات الحرب اللبنانية بعد العام 1975. ومن شروط نجاحه أن تكون لديه زمرة عسكرية مسلحة تأتمر بأمره ويكون عددها بضعة آلاف. وهو يتصرف باستقلالية كبيرة ضمن طائفته وفي منطقة جغرافية معينة انسحبت منها السلطة المركزية. ويستفيد إلى الحد الأقصى من الفوضى التي ترافق غياب السلطة المركزية لكي يمارس النهب المنظم ويفرض الخوة على مناطق سيطرته والمناطق المجاورة لنفوذه. وهو يدعي تمثيل مصالح مذهبية أو مناطقية، ويستعمل العنف لتدعيم سيطرته. باختصار شديد، إنه يعتني بمصالحه الفردية، ولا يهتم أبدا بإصلاح أو تغيير بنية السلطة الحاكمة لأنه جزء فاعل فيها. ويقيم تحالفات محلية وإقليمية قوية تساعده على البقاء في السلطة وتوريثها إلى أبنائه من بعده. أما المتاجرون بالوطن فهم حلفاء أمراء الحرب من أصحاب المال والأعمال الذين يفضلون عقد الصفقات الكبيرة على حساب الدولة. وكان لتحالف زعماء السياسة والمال الدور الأساسي في منع قيام دولة عصرية في لبنان. وقد ازداد التحالف رسوخا بعد اتفاق الطائف واعتماد نظام المحاصصة بين زعماء الطوائف الكبرى الذين باتوا من كبار الأثرياء. فشهد لبنان تدهورا مريعا في أوضاعه الاقتصادية والخدماتية، وتجاوز حجم الدين العام فيه الخمسة وأربعين مليار دولار. ودلت أحداث العام 2006 أن زعماء الميليشيات لا يتورعون عن توجيه دعوة صريحة لأطراف خارجية من أجل التدخل العسكري في لبنان، على أمل تعزيز مواقعهم المتضعضعة ومنع قيام دولة عصرية في لبنان. تجدر الإشارة إلى أن تحالف كبار الإقطاعيين والتجار قبل الحرب الأهلية لعام 1975 كان يرى أن استمرار حزام البؤس حول بيروت ضروري لرفد الاقتصاد اللبناني بنسبة كبيرة من اليد العاملة الرخيصة في الزراعة والصناعة والخدمات. وبعد اندلاعها، تبنى زعماء الميليشيات وكبار التجار السياسة عينها لإفقار اللبنانيين من أجل ضمان مصالحهم الشخصية على حساب عشرات الآلاف من الفقراء، والمهمشين، والعاطلين عن العمل، والعاجزين عن سلوك طريق الهجرة إلى الخارج.


Libanesischer Autor Kamal Dib bei DAFG e. V., 21.06.2010

Libanesischer Autor Kamal Dib bei DAFG e. V., 21.06.2010

Eine lebhafte Diskussion in kleiner Runde ergab sich im Anschluss an den Vortrag, den der in Kanada lebende libanesische Wissenschaftler und Autor Dr. Kamal Dib bei der DAFG e. V. hielt. Er wurde von DAFG-Geschäftsführer Bruno Kaiser begrüßt und vorgestellt.

In seinem demnächst erscheinenden neuen Buch geht Kamal Dib der Frage nach, wie Orient und Okzident sich im Lauf der Jahrhunderte gegenseitig beeinflussten und wie der aktuelle Kulturvergleich aussieht. Als einen der großen deutschen Denker, Philosophen und Dichter mit Einfluss auf Intellektuelle im Orient wie im Okzident nannte er Friedrich Nietzsche. Dessen Hauptwerk „Also sprach Zarathustra“ sei nicht nur für ihn persönlich seine Lieblingslektüre gewesen, sondern auch für viele andere Araber Pflichtlektüre, die man immer und überall dabei hatte. Wie stark das Werk des deutschen Philosophen das Denken beeinflusst habe, zeige sich in der deutschen Literatur etwa an Hermann Hesse, der 1922 mit „Siddharta“ eines seiner bekanntesten Werke veröffentlichte. Aber auch arabische Literaten waren stark von Nietzsche beeinflusst, wie etwa Khalil Gibran, der 1923, fast zeitgleich mit Hermann Hesse, sein Werk „Der Prophet“ herausbrachte. Alle drei Werke haben zahlreiche Gemeinsamkeiten: Sie beschreiben das Leben und Wirken eines „Propheten“, der den Menschen seine Weisheit mitzuteilen versucht, und sind von einer gemeinsamen Spiritualität durchdrungen.

Für Kamal Dib ist der Libanon ein Spiegelbild der arabischen Welt, in dem sich exemplarisch aktuelle Trends und Entwicklungen ablesen lassen. Über viele Jahrzehnte besaß vor allem die Hauptstadt Beirut eine ungeheure intellektuelle Anziehungskraft und Produktivität, an die es nach dem Krieg wieder anzuknüpfen gelte. Das geistige Leben Beiruts wurde in der gesamten arabischen Welt immer als Inspiration gesehen und Defizite in dieser Hinsicht wirken sich nach seiner Meinung folgerichtig auf die gesamte arabische Welt aus.

Dass die anschließende Diskussion so anregend wurde, lag zum einen am Thema und den teilweise provokanten Thesen des Autors, zum anderen aber auch an der Diskussionsleitung durch Prof. Dr. Udo Steinbach, dem früheren Leiter des Orient-Instituts, der einen Rückgang der Dialogbereitschaft beklagte.

Kamal Dib gab bekannt, dass er sich zunehmend nach Deutschland orientieren wolle und der DAFG e. V. als neues Mitglied beitrete.

Eindrücke des Abends finden Sie hier.

السبت، 19 يونيو 2010

كتب







نبذة الناشر:
يعالج "أمراء الحرب وتجار الهيكل" تاريخ السلطة والمال في لبنان من بداية القرن العشرين حتى العقد الأول من القرن الحالي من الموقعين السياسي والاقتصادي ويسلط الضوء على خفايا الواقع المحلي الذي يشكل عادة لغزاً للأجانب. يقدم الكتاب دراسة دقيقة حية الأسلوب تستعرض أسباب مقاومة البنى المحلية والبلدان الصغيرة المشابهة لزحف العولمة الجارف. ويتصدى لأمور عدة عطلت دور لبنان ألإقليمي اقتصادياً وثقافياً منذ العام 1975: الطائفية والزعامات التقليدية وأساليب رجال الأعمال البالية والبنية الاقتصادية الهشة والشعور العميق لدى الجماعات المكونة للبنان الحديث بالإساءة التاريخية إليها ، والكتاب هذا، منذ نشره بالإنكليزية عام 2003، صار مرجعاً متداولاً في جامعات أوروبا وأميركا واليابان.(...) إن الكتب عن خلفيات الاقتصاد اللبناني قليلة، ولذلك عندما قرأت كتابك تذكرت القصة التي تروي دائماً عن استحالة تشخيص الواقع اللبناني لأننا عندما لا نفهم ماذا يعمل اللبنانيون للنأي ببلدهم عن الصعاب، نقول لهم واصلوا عملكم إذا كان ما تقومون به مفيداً.

روبيرت فيسك


ثمن الدم والدمار-التعويضات المستحقة للبنان نتيجة الإعتداءات الإسرائيلية


نبذة النيل والفرات:
الدراسات التي تضمها دفتا هذا الكتاب، ثمرة أبحاث قام بها المؤلف بين تشرين الأول 1999 وكانون الأول 2000. ويتحدد نطاق بحثها بالملف الاقتصادي اللبناني على مشارف الألفية الثالثة. وهذه الدراسات أثارت اهتماماً واسعاً في الأوساط الإعلامية والرسمية والدبلوماسية وتناقلت تفاصيلها وكالات الأنباء العالمية. وكانت بين ملفات وزارة الخارجية اللبنانية في مفاوضاتها مع إسرائيل. وهي تظهر لأول مرة في كتاب لتشكل مرجعاً للمهتمين بالوضع الاقتصادي اللبناني وبأزمة الشرق الأوسط من المنظار اللبناني.

وينطلق المؤلف من أدوات التحليل الاقتصادية التي تعرقل نهضة لبنان العمرانية، ومنها أن لبنان ذو اقتصاد حرّ، أو أنه يتعرض لغزو عمالة أجنبية، أو أن المساعدات كفيلة بتحسين وضعة، أو أن لبنان قادر على ممارسة البطولة القومية وتأمين ازدهار ورفاهية مواطنيه على المستوى الأوروبي. جميع هذه المواضيع تطرح للمناقشة دون مواقف مسبقة، مساهمة في حوار هادئ حول مستقبل لبنان.


أيها الاسكندر لا تحجب عني النور!

أيها الاسكندر لا تحجب عني النور!

كمال ديب
(لبنان)

233 قبل الميلاد

لوحة فريدون رسولي

عندما انتصر الاسكندر ذو القرنين على إمبراطوريات الشرق والغرب، واحتل بلدان شرق المتوسط وبلاد فارس، حتى السند والهند، بدأ ينظر إلى كينونته على أنها تحوي صفات إلهية دونها البشرية جمعاء. فكانت أوامره وتصرفاته تنضح بالجبروت والسلطة المطلقة التي كانت شأناً عادياً في أمم الشرق في القرن الثالث قبل الميلاد، زمن كان الحاكم هو الإله كما كانت الحال في مصر اخناتون.
وبعد سنين الاغتراب في سهوب آسيا الوسطى ووادي النيل وأرض الرافدين وشاطئ لبنان، عاد الاسكندر إلى اليونان لزيارة وطنه الأم (للمناسبة، اسم اليونان عممه العرب ليشمل بلاد الإغريق، ولكنه أساسا اسم أرخبيل من الجزر في بحر ايجه ومنها جزيرة رودس التي يعرفها عرب شرق المتوسط، فيما يطلق الإغريق على بلادهم إلى اليوم اسم "هيلاذا" نسبة إلى الحضارة الهيلينية إذ سعى الاسكندر إلى "هلينة" العالم القديم). فكانت هذه العودة إلى وطنه الأم صحوة للاسكندر (لا صحوة ضمير) إذ ابلغه مستشاروه أنّ الفلاسفة والحكماء في اليونان ينتقدون تصرفاته وأحكامه وعدم مراعاته لحقوق البشر.
ولم يمرّ هذا النبأ لماماً لدى الاسكندر لأنه درج على احترام الحكماء مذ نصح له أبوه الإمبراطور فيليب المقدوني بذلك. فلم يأمر الاسكندر بقطع رأس من انتقده من هؤلاء كما درجت العادة في البلدان التي أخضعها في الشرق، ومنها صور عاصمة فينيقيا، التي قاومته فحاصرها وقتل شعبها. فطلب الاسكندر ان يزوره الفلاسفة والحكماء ليطلع على رأيهم ويناقشهم، لكنهم رفضوا جميعاً على أساس "ان الحاكم يحتاج إلى العالم" (بكسر اللام) وليس العكس. فأعطى تعليماته بتحضير سلسلة زيارات للحكماء في بيوتهم، وكانت الزيارة الأولى إلى منزل الحكيم العجوز ديوجينوس.
وبعدما جلس الاسكندر في دارة ديوجينوس المتواضعة، سأله الفيلسوف ان يتناول بعض الفاكهة، فأخذ حبّة من التين الأبقراطي ووضعها في فمه وسأل الاسكندر العجوز وهو يمضغ التين: "ماذا تريدني ان افعل لك يا سيدي الحكيم؟". وأطرق ديوجينوس رأسه إلى الأرض. كان في استطاعته ان يحصل على مال وعقار كثيرين بمجرّد ان يطلبهما إلى الإمبراطور الذي يجلس صاغراً بين يديه بكل تواضع وهو يأكل التين البري. لكن لا، فمبادئه لا تقدّر بمال وسيحرق الناس مؤلفاته لو انخرط في سلك الفاسدين من الأغنياء الضاربين بسيف السلطان.
ووقف الاسكندر يحيط به معاونوه من كبار الضباط في حين بقي ديوجينوس منصتاً مفكّراً على كرسيه. وكرر الإمبراطور سؤاله، فردّ العجوز في هدوء: "أريدك يا سيدي الإمبراطور ألا تحجب عني النور!".
وتعجّب الاسكندر ونزع خوذته التي يزينها قرنان من كل طرف ووضعها على الطاولة فبدا إنسانا عادياً، وقال: "إن ضوء النهار يملأ البيت فكيف تقول أني احجب عنك النور؟". وغادر الاسكندر دارة ديوجينوس قبل ان يفسخ له في المجال للرد، وامتطى فرسه مسرعا معتقدا ان الحكيم فقد صوابه، وأمر معاونه بإلغاء باقي الزيارات إذ ندم على هذه المبادرة حيال الفلاسفة.
ما قصده ديوجينوس انه بسبب تجبر الاسكندر وتحكمه في مقدرات البلاد الإغريقية وبلاد الشعوب الأخرى خفت حركة الإبداع إذ ساد القمع وانعدام مناخ الحرية وغياب الحق وطغيان الباطل. لذا كان مطلب ديوجينوس ألا يحجب الاسكندر نور الحرية عن المبدعين والمفكرين. وكان ديوجينوس يأمل في ان يستطرد في الكلام ويسأله الاسكندر ان يوضح لكي يشرح ما في رأسه. لكن الإمبراطور كان عديم الصبر في أسلوبه العملي فلم يستسغ أسلوب الحكيم البطيء والتراجيدي الذي يحتاج إلى "تزييت" لينطلق خلال دقائق في سرعة الضوء.
لم يندم ديوجينوس على ضياع فرصة الثروة من يده أو على انه لم يكن سريعا بما فيه الكفاية لكي يشرح للإمبراطور ما يقصده. فحاكم كهذا، عديم الصبر، لا يصغي إلى الرعية وخاصة إلى الحكماء من الشعب، لن يفقه المعاني العميقة للحرية فينظر إليها من منطلق تأمين المعاش. فلاسكندر، بعدما أصبح ملك الشرق والغرب، أخذ مسلك الاستبداد وحجب النور فضربت العتمة ممالك آسيا الصغرى ومصر ووادي النهرين واليمن والحبشة وفينيقيا وفارس والهند والسند وما وراء النهر.

470 قبل الميلاد

صديق لي دكتور في الفلسفة والأدب الفرنسي لفت نظري إلى أن هذه القصة إنما حصلت بين الفيلسوف سقراط، الذي لم يعاصر الاسكندر، وأحد ملوك اليونان (ربما كان الملك صولون). ووجهني الصديق إلى كتاب للفيلسوف العربي أبي يعقوب الكندي الذي عاش في القرن التاسع الميلادي، وجاء فيه:
"كان سقراط يتشرق في الشمس يوما، فوقف عليه الملك قائلا له: يا سقراط ما يمنعك من إتياننا؟ فقال له الشغل بما يقيم الحياة (يقصد الحياة الدائمة)، فقال له الملك: لو صيرته إلينا أكفيناك ذلك (يعني المعاش). فقال سقراط انه لا يحتاج إلى مال. فقال الملك: وما حاجتك إذن؟ فقال سقراط: حاجتي ان تزيل ظلك عني فلقد منعتني عن الشمس. أيها الملك تعدني بما يقيم الحياة وليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض (القصور) وهشيم النبات (المأكولات المطبوخة جيدا بالتوابل). فقال له الملك: يا سقراط لقد حرمت نفسك لذّات الدنيا ونعيمها من أكل اللحوم الطيبة إلى شرب الخمور الصافية المعتقة إلى المناكح والملابس الفاخرة. فقال سقراط: ليس ذلك بمنكر لمن رضي لنفسه التشبه بالقرود (يقصد تقاليد المجتمع الاريستوقراطي) وان يجعل بطنه مقبرة للحيوانات (يقصد تناول اللحوم).
وجاء عن سقراط انه بعدما قبض عليه الحرس ليقتلوه بكت عليه زوجته، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: كيف لا أبكي وأنت ستقتل مظلوما؟ فقال: أتريدينني ان أُقتل ظالما؟
سعى سقراط إلى معرفة الحقيقة المطلقة عبر الأخلاق المجردة الشاملة واتخذ شعارا لحياته عبارة "أيها الانسان اعرف نفسك". فحارب السفسطائيين الذين يقولون ان الأخلاق مسألة نسبية تتعلق بالفرد.

866 ميلادياً

أعجبتني قصة سقراط بأسلوب الكندي أكثر حيث رسخت في بالي كلمة "يتشرق" (أي ان وجه سقراط كدوار الشمس يبحث عن النور باستمرار). فأمضى حياته يسأل: ما الفضيلة؟ وما الحكمة وما أساس الأخلاق؟ وهل يمكن صاحب المعرفة ان يكون بلا أخلاق؟ وكان نتيجة مسعى سقراط انه مات شهيد مبادئه ولم يهرب من السجن رغم ان ذلك كان ممكنا. فكان موته بابا إلى الحياة التي سمت به إلى شواهق الإنسانية. ثم جاء أفلاطون أحد تلامذة سقراط الذي دوّن في كتاب "فيدون" أيام سقراط الأخيرة.
وبعد فترة من مراجعتي لقصة ديوجــين وقصة سقراط عثرت على مرجع آخر يؤكد ان الفيلسوف الكندي، الذي ولـــد في الكوفــة عـــام 866 ميلاديا وعاش في بغداد، خلط بين سقراط وديوجينوس الذي وفد عليه الاسكندر وأراد التودد إليه فصده هذا الصد. وهذا مذكور في كتاب "بلوتارك"، المؤرخ الروماني لحياة الاسكندر، وفي كتاب البروفسور في جامعة بيروت الاميركية ماجد فخري ("دراسات في الفكر العربي" عن "دار النهار"، بيروت).
وكان الكندي (نسبة إلى قبيلة كندة في الجزيرة العربية) أول فيلسوف عربي في التاريخ تخطى علماء الكلام إلى المسائل الفلسفية الصرفة والفكر المجرّد، فلم يتطرّق إلى ما شغل المفكرين في ذلك الزمان من مسائل تتعلّق بتوافق الفلسفة بالشريعة، بل عالج المعضلات الفكرية على أساس إنها مسائل فلسفية محضة حول الكون والفساد وقوة العقل والإدراك، فسبق فلاسفة الغرب بعدة قرون وشعّ النور على ضفاف دجلة.

1841 ميلادياً

اكتشاف الكهرباء واختراع ضوء اصطناعي بحجم غرفة صغيرة لإنارة الليل أمام السفن. دعم نور الشمس في النهار وسط ثورة صناعية في أوروبا وانقلابات وحروب وثورات. ونهضة فكرية فلسفية موسيقية أدبية من أميركا الشمالية إلى روسيا.

1998 ميلادياً

عندما انهار الاقتصاد الاندونيسي عام 1997 ووافق صندوق النقد الدولي على منح اندونيسيا قروضا بشروط صعبة جدا تقيّد سيادتها، نشرت الصحف عام 1998 صورة الرئيس الاندونيسي وهو يوقّع على صكوك "التنازل" لصندوق النقد، فيما وقف أمامه كالمارد ميشال كامديسو (الصغير القامة نسبيا) وهو أعلى مسئول في صندوق النقد، يراقب التوقيع بوجه مغرق في الجدية. شُبّه للبعض أنهم شاهدوا ظلال الاسكندر ذي القرنين ترتسم على الحائط خلف كامديسو وهو يحجب نور الشمس عن اندونيسيا.

2003 ميلادياً

انقطعت الكهرباء في أميركا وكندا ولبنان وبريطانيا لأسباب مختلفة، وشحّت إلى درجات مميتة مع ارتفاع درجات الحرارة في فرنسا. فانقطع النور وسادت العالم ظلال اسكندر جديد في واشنطن يعاونه ازلام في دول كبرى ودول العالم الثالث.
حجبوا عنا النور؟
إنها إذن عولمة الألفية الثالثة، فلنصم عن الملذات ولنكف عن اللحوم.

النهار" - الأحد 14 أيلول 2003

”هذا الجسر العتيق: سقوط لبنان المسيحي؟“



خيارات مستقبل الواقع اللبناني

بمناسبة صدور كتابه الجديد نشرت صحيفة ”الشرق“ الخليجية هذه المقابلة التي أجراها غسان بو حمد مع ”المفكرّ اللبناني الكندي“ الدكتور كمال ديب، كما وصفه، حول عمله الأخير "هذا الجسر العتيق: سقوط لبنان المسيحي؟" الذي تقوم "المستقبل" وابتداء من العدد القادم بنشر بعض ما ورد فيه وبقلم كاتبه الذي خصّ "المستقبل" بمقالات ذات دلالة وإعادة نشر هذا اللقاء يهدف إلى تعريف القارئ أكثر بماهية الكتاب ومضمونه مما يسهل متابعة ما ينشر لاحقا.


الدكتور كمال ديب هو خبير اقتصادي كندي من أصل لبناني، مؤلف لعدد من الكتب الصادرة في بيروت ولندن بعدّة لغات، شارك مؤخراً، ممثّلاً الحكومة الكندية في مؤتمر دولي عقد في بون حول شؤون الهجرة والأقليات في الدول الصناعية الكبرى.
يصدر في بيروت هذا الأسبوع آخر أعمال الدكتور ديب بعنوان "هذا الجسر العتيق: سقوط لبنان المسيحي؟" (عن دار النهار للنشر)، في 531 صفحة من القطع الكبير، حيث عقدت حوله ندوة فكرية ضمن نشاطات معرض بيروت العربي والدولي للكتاب. التقته "الشرق" على هامش المؤتمر وسألته عن كتابه الأخير هذا.

* كتابك جاء مناسباً في توقيته حيث أصبح صوت المسيحيين في أنحاء المشرق شيئاً من الماضي، فيما أدّت الهجرة وانحسار الدور السياسي إلى تراجع هذا الصوت.
د. ديب: يبقى لبنان بحجم الوجود المسيحي الكبير نسبيّاً فيه الواحة الأخيرة التي يمكن أن يستمرّ فيها العيش المشترك مع المسلمين والنفوذ السياسي للمسيحيين. صُورُ اليوم مجتمعة قد تخلق سيكولوجية مريرة بأنّ العد العكسي قد ابتدأ للمسيحيين في لبنان أيضاً، ليس فقط من ناحية نفوذهم السياسي التاريخي في بلد خلقوه بمساعدة فرنسا على قياس طموحاتهم في المشرق، بل عددياً أيضاً. فإذا كان إختلال الديمغرافيا لصالح المسلمين عام 1990 (60 إلى 40 بالمئة) من أسباب إخراج اتفّاق الطائف بالنص الذي أتى به، فثمّة من يقول أن اختلال الديمغرافيا المستجد (70 إلى 30 بالمئة لصالح المسلمين) قد يؤدي إلى إعادة النظر في الدستور.

الشرق: وماذا سيكون عليه لبنان بدون مساهمة ودينامية سكانه المسيحيين؟ وما هو موقف المسلمين إذأً من هذه التطورات؟
د. ديب: لقد قدَّرَت عدّة مراجع نسبة المسيحيين في لبنان بثلث عدد السكان في لبنان عام 2000، وباتت جميع التقديرات تشير إلى أن عدد المسيحيين المقيمين في لبنان مع حلول العام 2010 لن يتجاوز 27 بالمئة، فيما شكّل الشيعة 30 بالمئة تقريباً والسنّة نسبة مماثلة للشيعة. وتشير دراسة ليوسف الدويهي إلى أنّ نسبة الموارنة المسجّلين (ومنهم غير مقيم) قد تدّنت إلى 19 بالمئة من السكان عام 2005 بعدما كانوا يشكـّلون نسبة 80 بالمئة من دويلة جبل لبنان عام 1918. أمّا الروم الأرثوذكس فرغم حجمهم الكبير نسبيّاً حالياً (7 بالمئة) إلا أنّهم لم يسعوا إلى "أرثوذكسية سياسية"، ولذلك فهم وأقليات مسيحية أخرى يعوّلون بالدرجة الأولى على الموارنة لإدارة سفينة النجاة نحو لبنان ديمقراطي يضمن حقوق الأقليات.

الشرق: وهل ثمّة ضمانات لجعل هذا الوجود مستقراً؟
د. ديب: في ظل التحوّلات الديمغرافية والاقليمية المستمرة وفي غياب الدولة العلمانية الديمقراطية في لبنان، ليس مستغرباً أن يؤدي الوضع إلى انحسار للمسيحيين ربما إلى نسبة 20 بالمئة من السكان عام 2020 أو 2025. يمكنني أن أكون متشائماً وأقول أنّه لا يوجد أي ضمانات، قياساً إلى الماضي القريب والبعيد، أنّ تتحرّك الطوائف عند استحقاق نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2014 لتطالب برئيس جمهورية مسلم (سني أم شيعي؟). وتكون ساعتئذ قد اكتملت مسألة إفراغ المشرق العربي من النفوذ المسيحي المهم وبات لبنان شبيهاً بسورية ومصر من حيث تواجد مسيحي بدون نفوذ أو سلطة ذات قيمة. ولكن الديمغرافيا ليست قدراً بل يمكن أن تلغي توقعات الديمغرافيين عوامل سياسية وثقافية واقتصادية، فيعود ويتعزّز الدور المسيحي ويلي ذلك صعود في أرقام المسيحيين في لبنان والمشرق وازدهار وجودهم. ولذلك على الفعاليات والنخب المسيحية وقياداتهم السياسية ان تلتقي مع المسلمين المتنوّرين على خطة طوارئ لاحياء الدور المسيحي في لبنان.

الشرق: يعني أنّك متفائل؟
د. ديب: ثمّة أكثر من سبب للتفاؤل، فلقد تأكّد الزعماء المسلمون بأنّ لبنان يزول ويغرق في حرب بين المسلمين سنّة وشيعة بدون مسيحييه، وما زال لبنان، وإن نسبيّاً، يعمل بموجب النظام الديمقراطي وفصل السلطات، وخرج جيشه من الأزمات الأخيرة موحّداً، فيما استعيدت هيبة رئاسة الجمهورية عام 2008 بعد سنين من الانحدار، وحقّق اتفاق الدوحة بعض التحسّن في التمثيل المسيحي في البرلمان، كما ظهر أكثر من مؤشر عام 2008 إلى انعطاف المنطقة نحو السلام.

الشرق: وكيف يمكن ولوج هذا العمل المشترك؟ لا تقل بالحوار فحتى الذين انخرطوا في الحوار في لبنان أصابهم الملل من تعدّد الملفات والمطالب والمطالب المضادة، وباتوا يميلون إلى الابتعاد عن الحوار.
د. ديب: لا بديل عن الحوار. حروب لبنان وحلقات العنف أثبتت أنّ لا بديل عن الحوار. والدليل أنّ السلم الأهلي جاء بعد سلسلة حوارات في الثمانينات (منذ وثيقة سليمان فرنجية مروراً بمشروع الياس سركيس ومؤتمري جنيف ولوزان والاتفاق الثلاثي ومؤتمر الطائف) تتوّجت بحوار الطائف الذي صاغ دستوراً جديداً، وحوار الدوحة الذي أوجد تسوية للأزمة عام 2008. فلم يكن ممكناً حلّ الأمور عبر فوهة المدفع. إرتكب اللبنانيون كافة المعاصي بدءاً بتزوير الانتخابات إلى التطهير المذهبي والاثني للمناطق والذبح على الهوية، ولكنّهم خسروا جميعاً عندما نُظّفت المناطق واستتبت الأمور في الثمانينات لأمراء الحرب، وانتقل الاقتتال الى داخل كل فئة. فلم يكن أسوأ من حكومة سيئة مقتها اللبنانيون قبل الحرب سوى أمير حرب يحكمهم بأسلوب دكتاتوري أثناء الحرب، فغابت المؤسسات الدستورية وبقي "الأمر لي" لسان حال قادة الميليشيات. وهذا عانى منه اللبنانيون وباتوا توّاقين إلى دولة عصرية حديثة وإلى جيش شرعي. لم يخل الأمر أنّ مراحل حوار وطني عديدة كانت مزيّفة ولم يكن هدفها الوصول إلى اتفاق بمقدار ما كان تسجيل موقف من جهة تجاه جهة أخرى أو لحفظ ماء الوجه والظهور بمظهر الساعي إلى الحوار والحل. ومن البديهي أنّ تسجيل الموقف كان يعني التصادم وتعويم الشقاق واشتداد الخلاف، وبالتالي إلى كلام تصعيدي عبر الأثير وشتائم وانخفاض مريع لسلّم التخاطب الحضاري. وكل هذا كان يحصل تحت شعار المطالبة بحقوق هذه الطائفة أو تلك أو بتحسين موقعها في التركيبة اللبنانية، ومحاصصة وغنائم بين الزعماء. هذا النمط من الحوار طغى على كل أسلوب عداه في لبنان ما بعد الحرب مع اصرار الجميع على الديمقراطية.

الشرق: وما هي شروط العمل المشترك لكي يستمر ويتنعش التنوّع اللبناني؟
د. ديب: العمل المشترك يتطلب أولاً "الحد الأدنى من إرادة العيش معاً في بلد واحد ومجتمع واحد" على حد قول ارنست رنان. وهذا المبدأ يتضمّن الشروط التالية:
التفاهم على أنّ المحافظة على لبنان تعني أنّ الحوار المتواصل أمر لا بد منه. وأنّ هذا الحوار يجب أن يؤدي إلى تنازلات وحلول وسطية. ففي مجتمع متعددي لا يحصل طرف على كل طلباته.
التفاهم على ضرورة المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله وعدم اللجوء إلى حماية ودعم قوى خارجية لطموحات داخلية.
ضرورة الابقاء على جيش شرعي وطني قوي وموّحد. إذ كما تبيّن من حروب لبنان وغيره أنّ أولى مظاهر تفتّت الدول التعددية هي تعطيل الجيش وتهميش دوره. لأنّ مهمة الدفاع عن المجتمع المجزّأ إلى كانتونات تصبح من صلاحية الميليشيات ويستبيح الخارج حدود البلد بحجّة مساعدة هذا أو ذاك أو فرض الأمن بتكليف دولي.
التفاهم على لغةِ تخاطبٍ سياسيّةٍ أخلاقية. إذ من المعقول جدّاً أن يُساء استعمال التعابير والمفردات في مجتمع تعددي لتعني أشياء مختلفة وبالتالي أن تؤدي إلى مزيد من سوء التفاهم وتعميق الخلاف وربما إلى العنف.
وكل هذا يحتاج إلى بيئة إقليمية هادئة خاصة بين العرب واسرائيل وكذلك بين العرب أنفسهم، فلا يتهوّر أحدهم في مغامرات تكون نتيجتها مزيداً من المآسي للبنان.
التفاهم بين اللبنانيين على مبادىء سياسة لبنان الخارجية حتى لا يتم مزج المصالح الطائفية الضيقة بمصالح الدول الخارجية (ايران والسعودية واسرائيل وسورية والولايات المتحدة) بعيداً عن مصلحة لبنان.
التركيز على المنهاج التربوي في المدارس والجامعات كي ينفتح أبناء الطوائف على بعضهم البعض ويتعرّفوا إلى عادات بعضهم وتاريخهم وديانتهم، الخ. من السهل جداً في مجتمع متعددي خلق جزر تربوية ما يؤدي إلى حرب ثقافية وعقلية عدائية تجاه الآخر.

الشرق: ومن الذي سيتحاور؟
د. ديب: للحوار أهله في لبنان وهم كُثر. لقد دخل اللبنانيون في عدد من الحوارات الوطنية البنّاءة لمعالجة أمورهم السياسية. ومتى وُجدت إرادة الحوار سيكون في لبنان حشد كبير من المؤدّبين والمثقفين والحريصين على إنجاحه. وفي الحال، فإنّ المطلوب من الحوار هو مزج الديمقراطية بالأفكار النيّرة للديانات السماوية ليصبح مثمراً يعالج قضايا مشتركة لكل اللبنانيين،كمسائل الوضع الاقتصادي والمعيشي وحقوق الانسان والحريّات العامة، ووضع أسس لقيم حضارية مشتركة وللمشاركة السياسية الصحيحة. وثمّة مجموعة من القواسم المشتركة تجمع بين مثقفين لبنانيين من طوائف عدّة كاللقاء على العلمانية والحقوق المدنية وفصل السلطات والديمقراطية. ويشير أكاديميون، كأحمد بيضون ونوّاف سلام مثلاً، إلى أنّ الحوار سيكون صادقاً إذا تجاوز الطوائف والخطاب الطائفي ووصل إلى تفاصيل مجتمع ديمقراطي علماني حيث يصبح المرء متحرّراً فعلاً من قيود طائفته وسلطة رجال الدين، التي لا تتزحزح، على حياته من الولادة إلى الوفاة.

الشرق: ما هي العناوين العريضة اقليمياً خاصة أنّ للمسألة اللبنانية أبعاداً اقليمية لا تخفى بل هي العامل الأهم في نجاح التلاقي الداخلي؟
د. ديب: أول خطوة في تحديد الخيارات هي التخلّي عن الرهانات والاعتراف أنّ طرح المواجهة بين الشرق والغرب فيه شيء من المبالغة وليس مسألة حتمية، فلا ترمي ثقلها مع هذا الطرف ضد ذاك في "المواجهة". المواجهة بين "غرب مسيحي" و"شرق اسلامي" هي مرحلة عابرة لأنّ الخلاف ليس حول جوهر الدياناتين المسيحية والاسلام والهوّة بين الشرق والغرب مليئة بالأوهام والخرافات. كما أنّ الخلاف ليس اقتصادياً، إذ أنّ العالم الاسلامي بأسره منضو ومتأقلم جدّاً مع النظام الرأسمالي المعولم الذي تتزّعمه أميركا وتسير فيه أوروبا واليابان. كما أنّ ليس حتى سياسياً لأنّ أي خلاف سياسي يمكن أن تحسمه الحوارات والاتفاقات.
لا يجب أن يقبل مسيحيو لبنان والمشرق أن تكون أوروبا هي المجسّد للمسيحية في العالم. لقد قضت أوروبا الكاثوليكية على الامبراطورية البيزنيطة عبر الحروب الصليبية في القرن الثالث عشر فانعزل مسيحيوالمشرق عن التواصل مع أوروبا في قرون من الاضطهاد المملوكي والذميّة تحت الأتراك. ثم تركت روسيا أرثوذكسيتها بعد الثورة البلشفية وأصبحت شيوعية في القرن العشرين. ولكن هذ االتاريخ لا يعني أنّ المسيحية المشرقية لا وزن لها، بل عليها أن تكون رائدة بمسيحية وطنية مميّزة بعدما زال نفوذ روسيا واليونان أمام المدّ الغربي الذي أصبح اسمه الحضارة اليهودية - المسيحية Judeo-Christian Civilization تقوده الولايات المتحدة.
ولكن المحك في كافة الأزمات التي تعصف بالمنطقة هو الزمن. إذ لربما استغرق حلّها سنوات أو عقد أو عقدين، وليس من ضمانة أنّ مسيحيي المشرق - في العراق أو لبنان أو فلسطين - سيصمدون أم سيضعفون أكثر ويغادرون. من هذا المنطلق وطالما أنّ الخطر الإقليمي والدولي هو الأكثر حضوراً، نبدأ معالجة خيارات المسيحيين في الصفحات التالية بالجانب الاقليمي.